لبيك اللهم لبيك.. تلبيةٌ وهتافات تسمعها فور أن تقترب من منطقة الحرم، فالحجاج قادمون من كل صوب لهذه البقعة المقدسة ليكملوا دينهم ويؤدوا مناسك الحج.. بدءاً من مِنى وانتهاءً منها مجدداً.
الحج عرفة
بعد بيات ليلة واحدة في منى، يخرج الحجاج أفواجاً إلى خارج منطقة الحرم، حيث جبل عرفة الشهير الذي ارتقى إليه الرسول ﷺ في حجة الوداع واستغرق في الدعاء والذكر حتى غروب الشمس. فيوم عرفة هو أفضل أيام السنة من حيث المنظور الشرعي فقد كثُرت الأحاديث النبوية عن فضله وتميزه لدى رب العرش، فقد قال رسول الله ﷺ (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) وفي حديث آخر: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة). ويمكن القول أن أهم الأحاديث بالنسبة للمُحرمين هو: (الحج عرفة) فقبل عصر النهضة والتطور الذي نعيش فيه كان السفر صعباً وشاقاً على المسلمين من أرجاء العالم، وقد يشق عليهم الطريق فيَصِل المسافر إلى مكة متأخراً ولا يتمكن من البيات في مِنى يوم التروية، إلا أن الدين الإسلامي تجاوز عن ذلك وحدد وقفة عرفة لقبول الحج ومن فاته عرفة فقد فاته الحج؛ فإذا أتاها الحاج بعد الزوال ووقف فيها ما تيسر له ولو قبل طلوع الفجر التالي فقد أدرك الحج. والمقصود بالوقفة هنا ليس الطلوع إلى الجبل والوقوف على قمته، بل يكفي أن يكون في سفح الجبل أو حوله في المنطقة المحددة، واقفاً أو جالساً أو مستلقياً بينما لسانه يردد بالذكر والدعاء.
الحرم المكي الشريف في يوم عرفة
بينما الحجاج يستعدون للذهاب إلى جبل عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة، تبدأ مراسم خاصة وجليلة في الحرم المكي الشريف بعد صلاة الفجر مباشرة، ففي مشهد مهيب يدخل موكب من العاملين والفنيين يحملون لفافة كبيرة قادمة من مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة، يحملونها بتمهل وتؤدة متجهين إلى الكعبة المشرفة وسط حفاوة الاستقبال؛ فقد حان تبديل كسوة الكعبة بأخرى جديدة ستلازمها طيلة العام القادم. يبدأ الفريق أولاً برفع جوانب الكسوة الجديدة، فهي تأتي منفصلة فكل جانب على حدة بالإضافة إلى ستارة باب الكعبة المذهبة، ويُراعى أن لا تتعرى الكعبة أبداً لعظمة شأنها، فالكسوة الجديدة تُسدل فوق الكسوة القديمة، ثم تُرخى القديمة فور أن تستقر الكسوة الجديدة عليها في عمل جماعي مهيب يشهده أهل مكة وزائري بيت الله الحرام الذين حظوا بتشريف زيارة الحرم المكي الشريف في هذا اليوم العظيم والذي يعتبر من أقل الأيام ازدحاماً في أرجاء الحرم المكي نسبياً، حيث يتمكنون من الصلاة والدعاء في هذا المكان المقدس حتى أذان المغرب ثم يتوجهون إلى منازلهم أو إلى أحد المطاعم القريبة لتناول وجبة إفطار يوم عرفة، كمطعم ميدان في فندق شذا مكة ليحظوا بوجبة دسمة وشهية من شتى الأصناف التقليدية والمبتكرة.
